جار ئەم لاپەڕە بینراوە

السبت، 24 مايو 2008

ملف حلبجة / زهير كاظم عبود/باحث وكاتب وقاضي عراقي

انتهى التحقيق الابتدائي في ملف قضية حلبجة، وقبل أن تستكمل السلطات القضائية التحقيقية العراقية تدقياتها للأدلة التي توفرت في هذه القضية للاحالة، صدر حكم قضائي في هولندا على المتهم فرانس أنرات بالسجن لمدة 15 سنة المتهم بتزويد نظام صدام المباد بالمواد الكيمياوية
التي سهلت ضرب مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية. فقد حكم على رجل الاعمال الهولندي فرانس فان انرات في لاهاي بالسجن 15 عاما لتواطئه في جرائم حرب بسبب تسليمه نظام صدام مواد كيميائية استخدمت خلال هجماته بالغاز على الاكراد العراقيين في الثمانينيات. الا ان فرانس انرات (63 عاما) أفاد بأنه بريء من تهمة التواطؤ في حملة ابادة. لكن المحكمة رأت ان عملية ابادة وقعت فعلا ضد السكان الاكراد في العراق وخصوصا في حلبجة في آذار 1988 حيث ادت المجزرة الى سقوط خمسة آلاف قتيل في يوم واحد. وكان فان انرات ملاحقا من قبل محكمة لاهاي بموجب حكم صادر عن المحكمة العليا في هولندا يمنح المحاكم الهولندية سلطة عالمية لمحاكمة الاشخاص الذين يشتبه بتورطهم في جرائم حرب او حملات ابادة فور انتقالهم للاقامة في هولندا. واذا كانت المحكمة الهولندية وجدت أن الادلة التي توفرت لها في القضية أثبتت قناعتها أن المتهم الهولندي الجنسية مرتكباً لجريمة التواطؤ مع النظام الصدامي وتزويده بالمواد الكيمياوية المحظورة التي تمت معالجتها واستعمالها في الحرب العراقية الايرانية، وعلى مدينة حلبجة وهي من المدن الكوردستانية، المدنية التي تخلو من أي مقر أو مكان عسكري. وسيؤخذ هذا الحكم بعين الاعتبار أمام المحكمة الجنائية الثانية التي أحيلت اليها قضية حلبجة بعد أن وجدت السلطات القضائية التحقيقية أن الأدلة المتوفرة فيها كافية للاحالة، فتمت احالة المتهمين المقبوض عليهم بقضية واحدة، ومع ان هناك قضية أخرى تم تفريقها بحق المتهمين الهاربين عن نفس القضية. وإذ نتمعن في مدة العقوبة المقررة من قبل المحكمة الهولندية للمدان فرانس أنرات نستنتج أن المحكمة والقضاء الهولندي استوعب الخطورة الاجرامية لمثل هذا الفعل الذي يؤدي بالنتيجة الى مجازر انسانية وهلاك مجاميع بشرية بهذا السلاح الممنوع والمحرم دولياً. وإذا تقوم المحكمة الجنائية الثانية بتعيين موعد للنظر في محاكمة المتهم صدام والمتهم علي حسين المجيد وهما من المتهمين الرئيسين في القضية، ستستمع المحكمة الى مفاجآت وشهادات غير متوقعة أمام جريمة انسانية لم يشعر بخطورتها العالم ولا استوعبتها العقول الانسانية وتم التعتيم عليها، وبذلت الماكنة الأعلامية الصدامية الملايين من الدولارات في سبيل اشاعة التخرصات والأكاذيب واعماء الحقيقة، الا أن الحقيقة المطلوبة ستبان واضحة وجلية في جلسات المحكمة الجنائية الثانية التي ستنظر قضية حلبجة.واذا كانت جريمة حلبجة من جرائم الابادة الجماعية التي نص عليها قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا، لكون الجريمة ارتكبت بقصد قتل مجموعة بشرية أو الحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد من الجماعة، واخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها أهلاكها الفعلي كليا أو جزئيـــا مما يوجب القانون فرض العقوبة المناسبة على من تثبت ادانته.كما أن للمحكمة الجنائية وفقاً لنصوص قانون المحكمة الجنائية العليا الاستعانة بأحكام المحاكم الجنائية الدولية عند تفسيرها لأحكام جرائم الابادة الجماعية والجرائــم ضد الانسانية. ويذكر انه في مقابلة بثتها قناة (mbc) اللبنانية مع المتهم نزار الخزرجي الذي كان يشغل منصب رئيس اركان الجيش العراقي أبان الحرب العراقية الايرانية، سأل المذيع أنطوان المسؤول عن المقابلة السيد الخزرجي عن الضربة الكيمياوية التي وجهت الى مدينة حلبجة الشهيدة ، أجاب الخزرجي في المقابلة المسجلة، والمسجلة بأنهم كانوا حينها مشغولين في التخطيط لمعارك (تحرير منطقة الفاو والشلامجة وبقية المناطق الجنوبية حتى مناطق مندلي من القوات الايرانية التي احتلتها) واتصل به هاتفياً الفريق كامل ساجت أحد قادة الفيالق (تم اعدامه من قبل صدام لاحقاً) يخبره بأن طائرات تعرضت الى القوات العراقية المتجحفلة في مدينة حلبجة وما حولها من المرتفعات وتعرضت مدينة حلبجة العراقية الى ضربة بالأسلحة البايلوجية. لم يكن الخزرجي على علم بهذه الضربة كما يزعم، فاتصل بدوره بوزير الدفاع عدنان خير الله طلفاح كما يقول في المقابلة التلفزيونية، الذي زعم أنه لايعرف أيضاً عن هذه الضربة وسيستعلم عنها من القيادة ويتصل به بعد أكثر من ساعة، (لاحظ صيغة عدم معرفة اعلى القيادات العسكرية بأبسط القضايا التي تدور على الساحة العراقية واستخلص منها صيغة ومنهج العمل في العراق)، وفعلاً يقول الخزرجي أنه بعد ساعة ونصف اتصل به وزير الدفاع يخبره أنه علم من صدام شخصياً الذي كان حينها يشغل وظيفة القائد العام للقوات المسلحة العراقية بالرغم من كونه لم يخدم في الجيش- بأن الطائرات عراقية والضربة عراقية وبأمر شخصي من صدام. ويعزو الخزرجي أسباب الضربـة، كون المتهم علي حسن المجيد الملقب (بالكيمياوي) كان أميناً لسر تنظيم الشمال لحزب السلطة ومقره كركوك، استخبر من عناصره بأن مدينة حلبجة قد سقطت بأيدي القوات الايرانية، فاتصل بصدام الذي اوعز له شخصياً بقصف المدينة بمن فيها من المدنيين بالأسلحة البايلوجية. الشهادة التي قدمها الخزرجي بالصوت والصورة تصلح أن تكون قرينة ودليل على كذب أدعاء ومزاعم المتهم صدام في عدم معرفته بالضربة الكيمياوية للمدنيين العزل من الكرد في حلبجة الشهيدة، كما أن المتهم علي الكيمياوي لم يزل حياً ومستعد للشهادة في هذا المجال، كما لا يخفى على السلطات التحقيقية في محكمة التحقيق المركزية أن هناك قادة فرق وفيالق ومسؤولين حزبيين فضلاً عن القيادات الكردية جميعها تختزن في ذاكرتها أجزاء من الحقيقة التي ينبغي أن يتم ترتيبها وتجميعها ومحاكمة المسؤولين عن هذه الجريمة التي اهتزت لها أركان السماء ولم تهتز لها شوارب السياسيين العرب والمتلبسين بالفكر الشوفيني المتخشب، علاوة على سجلات قيادة القوة الجوية وتقارير الحركات العسكرية الخاصــة بالقدرة الجوية للقوات العراقية، اضافة الى تقارير الاستخبارات العسكرية جميعها تؤكــد على مسؤولية الضربة البشعة التي استهدفت المدنيين الأبرياء من مواطني حلبجة الأكراد الآمنين واذا كانت شهادة الفريق نزار الخزرجي في حادثة واحدة فلربما أن له شهادات في جرائم أخرى وباستطاعته ان يريح بعض ضميره من عناء التستر والادلاء بالشهادة أمام القضاء العراقي التي طلب الله عز وجل من الناس أن لا يكتموها بالحق، وليس فقط الخزرجي من تدعوه الحقيقة ليشهد بشهادته بصدد الجرائم التي ارتكبها الطاغية بحق الشعب العراقي وبحق القوات العراقية المسلحة وخياناته الوطنية المكشوفة أو المستترة، ويمكن أن تشكل بعض الأحداث في صفحات عمل القوات المسلحة العراقية ما تشير الى قيام الطاغية بارتكاب جرائم الابادة العمدية لقطعات عسكرية تم دفعها للانتحار عمداً والموت المجاني تحت ذريعة الانتصار والوطن والسيادة والوحدة ، فضلاً عن الجرائم الشخصية الجنائية التي ارتكبها الطاغية بنفسه او بالواسطة ضد افراد القوات المسلحة ضباطاً وأفراد. العديد من العناصر التي تعيش بيننا وتشرب ماء دجلة والفرات وتستنشق هواء العراق مطالبة اليوم قبل غد أن تتطوع للشهادة العراقية الوطنية لتدلي بأية معلومات تختزنها في زمن المحنة والعذاب العراقي، العديد من القيادات العسكرية ممن عرف بحكم موقعه العسكري والعناصر القيادية الأمنية بحكم موقعها الأمني التعرف على تفاصيل الجرائم التي ارتكبها الطاغية بالذات أو بالواسطة و التي لم يكشفها العراق حتى الان ومن التي تسترت عليها بعض العناصر. وفجيعة حلبجة تجسد خسة العقل وانحطاط القصد الأجرامي التي تتلبس عقل من أرتكب أو نفذ أو ساهم أو شارك بهذه المجزرة الانسانية. وفجيعة حلبجة تتجسد في محاولة الطاغية ان يتنصل بسذاجة عن اخس جرائم القرن بحق المواطنين الكرد الامنين والعزل بسلاح طالما تبجح به وهدد به شعبه. ومن لا يؤرقة الأطفال الرضع والفتيات الكورديات الصغيرات وتكور مجاميع العوائل التي جمعها القدر، ومن لا يعذبه اعداد الضحايا وموتهم الصامت لن ينتمي للانسان، لأن الانسان كتلة من المشاعر والأحاسيس ومن يفقد هذه المشاعر والأحاسيس يخرج من مفهوم الانسان حلبجة وحدها تكلل بعارها الابدي من مسها بسوء وقتل بسمات اطفالها ومنع فرحها وصبغ ايامها بالحداد، وحلبجة وحدها، ستكون شاهدة التاريخ العراقي على قسوة الطغاة وجبروت الدكتاتورية في الاستخفاف بحياة الناس والشعوب. وفي الوقت نفسه حلبجة الكوردية لن تنحني مثلما لن ينحني الكورد فقد كان جذرها نابتاً في صخور كوردستان صلداً كمطرقة الحداد كاوة بهيجة وملونة بلون شقائق النعمان عصية كشجر البلوط. ومثلما انتظرت حلبجة كل هذه السنوات بانتظار أن تقتص العدالة لشهدائها ولأشجارها ولطيورها ولسنابل القمح والورود التي ماتت، ولبيوتها واسواقها الفقيرة ولرموزها ومقبرتها التي تناسقت فيها قبور الشهداء من كل الأعمار والأجناس، بانتظار أن تقول العدالة كلمتها ستبقى حلبجة ترن في ضمير العالم حيث لم يتذكرها أحد

ليست هناك تعليقات: