جار ئەم لاپەڕە بینراوە

السبت، 24 مايو 2008

الأنفال: تجسيد لسيادة الفكر الشمولي والعنف والقسوة / الدكتور جبار قادر


من المؤسف حقا أن نكون مجبرين في إجتماعاتنا و جلساتنا على الحديث عن المآسي و النكبات التي حلت بنا و عن مظاهر القسوة و العنف التي نكبنا بها خلال عقود طويلة من تاريخنا المعاصر. وموضوع اجتماعنا هذا هو الحديث عن عمليات الأنفال التي قامت بها الحكومة العراقية ضد الكرد عام 1988 .ويبدو تعبير (( عمليات الأنفال )) تعبيرا مهذبا و محايدا و بريئا على حد تعبير الباحث العراقي فالح عبدالجبار الذي يقترح علينا ان نستبدل على الأقل كلمة (( عملية )) المهذبة بأخرى تنضح ببشاعة الفعل مثل ( المسلخة، الأبادة ، المذبحة أو المجزرة )). أخشى ان لا تعبر هذه الكلمات بمجموعها عن بشاعة الفعل. بدءا أود أن أعرف الحضور الكرام وبخاصة الذين لم تتوفر لديهم الفرصة للأطلاع على تفاصيل مجازر الأنفال بشئ من الأختصار . الأنفال هي سلسلة العمليات العسكرية التي قامت بها القوات المسلحة العراقية ( نفذتها قوات الفيلقين الأول و الخامس في كركوك و أربيل و قوات منتخبة من الحرس الجمهوري و القوات الخاصة و قوات المغاوير و قوات الأمن و الطوارئ و المفارز الخاصة فضلا عن قوات الجيش الشعبي و أفواج الدفاع الوطني . لستخدمت هذه القوات جميع انواع الأسلحة التي كانت بحوزتها خلال الحرب العراقية - الأيرانية من الدبابات و المدفعية الثقيلة و الطائرات الحربية المقاتلة و السمتية و الأسلحة الكيمياوية ) خلال الفترة من ليلة 22/23 شباط و حتى 6 أيلول من عام 1988 ( رغم ان على حسن المجيد يشير بنفسه الى الفترة من 18 شباط و حتى 4 أيلول - الا ان تقارير منظمة رصد حقوق الأنسان في الشرق الأوسط ( Human Rights Watch / Middle East )التي درست و حللت الوثائق الحكومية الخاصة بالأنفال لمدة 18 شهرا تشير الى 23 /2 - 6/9 / 1988 ).المعروف ان الحكومة العراقية لم تقم بهذه العمليات بصورة سرية بل كانت القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية تشير في بياناتها العسكرية التي تبدأ بأحدى آيات سورة الأنفال اليها و تتحدث عن الأنتصارات العسكرية في عمليات الأنفال البطولية ضد من كانت تسميهم تلك البيانات بالعدو الغاشم و الخونة و المارقين و تمجد وسائل الأعلام الحكومية هذه العمليات و تضفي عليها كل صفات البطولة و الوطنية التي طهرت ارض الوطن من الخونة و المرتدين و عملاء الأجنبي . وكان الحزب الحاكم و مؤسسات الدولة الرسمية تقوم بتنظيم الأحتفالات والمهرجانات احتفاء بالذكرى السنوية لتلك العمليات و تطلق اسم الأنفال على شركات المقاولات الحكومية و المدارس و غيرها من المؤسسات . حاولت القيادة العامة للقوات المسلحة و الأعلام الرسمي تصوير هذه المسالخ على انها جزء من المجهود الحربي العراقي ضد القوات الأيرانية رغم انها كانت لا تخفي كونها موجهة ضد من كانت تسميهم بعملاء ايران و ادلاء الخيانة و غير ذلك من الألقاب . و نجحت الحكومة العراقية و الأعلام الرسمي الغوبلزي في تمرير الصورة المشوهة لهذه المسالخ على الجزء الأكبر من العراقيين ، فقد كان هناك تصور عام لدى العراقيين بان هذه البيانات الرنانة اشارة الى عمليات عسكرية ضد ايران على الحدود العراقية الأيرانية و اعتقد البعض على انها موجهة ضد الحركة المسلحة الكردية التي تعاونت مع ايران خلال بعض مراحل الحرب العراقية الأيرانية و بذلك لم يدرك معظم العراقيين و لا زالوا حجم الكارثة التي حلت بالشعب الكردي خلال تلك العمليات. ومما يحز في النفس ورغم توفر اطنان من الوثائق ( نقل منها 14 طن الى الولايات المتحدة الأمريكية و تسلمت لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي مسؤولية الحفاظ عليها) التي اصبحت في متناول الباحثين و منظمات حقوق الأنسان و التي توضح الى حد كبير حجم هذه المجازر ان نجد من بين يدعون معارضة النظام من يستكثر على الكرد التذكير بهذه المسالخ و يعتبرها محاولة لهولكوستتة القضية الكردية في العراق . استخدمت الحكومة العراقية كلمة الأنفال ككود عسكري في قراراتها العلنية و مراسلاتها الداخلية و كانت معروفة على نطاق واسع في العراق و بخاصة في المناطق الكردية . بدأ التمهيد لمسالخ الأنفال عندما تسلم على حسن المجيد في 29 آذار 1987 مسؤولية امين سر مكتب تنظيم الشمال لحزب البعث العربي الأشتراكي و منحه مجلس قيادة الثورة بموجب القرار رقم 160 في 29 آذار 1987 صلاحيات مطلقة في كوردستان فمبوجب القرار المذكور كان علي حسن المجيد (( ينوب عن القيادة القطرية لحزب البعث و مجلس قيادة الثورة لتنفيذ سياساتهما في الشمال بما فيها منطقة الحكم الذاتي)) و اعتبر مجلس قيادة الثورة في قراره المذكور (( قرارات الرفيق المجيد الزامية لجميع مؤسسات الدولة العسكرية و الأمنية و المدينة وعليها جميعا تنفيذها بما في ذلك المسائل الداخلة في نطاق صلاحيات مجلس الأمن القومي و لجنة شؤون الشمال )). وكانت هذه الصلاحيا ت مساوية لتلك التي يتمتع بها رئيس الجمهورية في هذه المنطقة . و أصدر صدام حسين في 20 ابريل 1987 قرارا آخر منح بموجبه صلاحيات اضافية للمجيد لوضع ميزانية خاصة بلجنة شؤون الشمال.و كان القرار يقضي بربط الفيلقين الأول و الخامس من الجيش العراق النظامي و دوائر الأمن و الأستخبارات العسكرية و قوات الطوارئ و افواج الدفاع الوطني و المفارز الخاصة و غيرها من المؤسسات القمعية بعلي حسن المجيد و تلقي الأوامر منه فقط و ايقاف تنفيذ جميع القوانين والقرارات و الأجراءاب الأدارية العراقية التي كانت تتعارض مع نص قرار مجلس قيادة الثورة . وجعل هذا القرار من علي حسن المجيد حاكما مطلقا على كوردستان و المنطقة الشمالية بأسرها .كانت سياسات المجيد تنفذ تحت شعار ((حل القضية الكردية و القضاء على المخربين )). وكانت المظاهر الرئيسية لهذه السياسة خلال العامين الذين قضاهما المجيد كحاكم مطلق في كوردستان من 29 آذار 1987 و حتى 15 نيسان 1989 تتلخص في :1. الأعدام الجماعي و لخفاء أثر عشرات الالآف من المدنيين الكرد بمل فيهم عدد كبير من النساء و الأطفال و أحيانا سكان قرى كاملة.2. استخدلم الأسلحة الكيمياوية بصورة واسعة كغاز الأعصاب و السارين و الخردل في حلبجة و 40 موقعا آخر خلال الفترة من نيسان 1987 و حتى آب / أيلول 1988 . 3. تدمير لكثر من الفين قرية تشير اليها الوثائق الحكومية بصيغ أحرقت ، دمرت ، سويت مع الأرض و جرى تطهيرها فضلا عن عشرات القصبات و المراكز الأدارية بما فيها مدينة قلعة دزة التي بلغ عدد سكانها اكثر من 70 الف نسمة.4. تدمير المراكز المدنية كالمدارس ، الجوامع ، الكنائس ، آبار المياه و الينابيع و محطات الطاقة الكهربائية و المباني الأخرى .5. نهب ممتلكات السكان المدنيين و حيواناتهم من قبل الجيش و قوات الجحوش .6. القاء القبض على القرويين بحجة التواجد في المناطق المحظورة رغم انهم كانوا في بيوتهم و على ارضهم .7. الحجز الكيفي لعشرات الالاف من النساء و الأطفال و الشيوخ لأشهر عديدة و في ظروف جد قاسية بدون أوامر صادرة من المحاكم و بدون أية اسباب منطقية سوى الشك في كونهم من انصار الحركة الكردية و مات عشرات الالاف منهم بسبب سوء التغذية و المرض.8. التهجير القسري لمئات الالاف من القرويين بعد تدمير قراهم الى المجمعات القسرية التي كانت الدعاية الحكومية تطلق عليها ظلما و بهتانا اسم المجمعات العصرية.9. تدمير البنية التحتية و الأقتصادية للريف الكوردستاني.و تشير الوثائق الرسمية الى هذه السياسات تحت مسميات (( الأجراءات الأدارية الخاصة ، الأجراءات الجماعية ، العودة الى الصف الوطني و اعادة الأسكان في الجنوب )) و غيرها من التمسيات التي حاولت اخفاء سياسة الأبادة الجماعية بحق الكرد .بلغت عمليات الأنفال ثمان وشملت ست مناطق جغرافية و كان يسبق كل عملية قصفا مدفعيا و جويا مكثفا مع استخدام الأسلحة الكيمياوية مع زج كل الأمكانيات المتاحة :1. الأنفال الأولى بدأت بهجوم كبير صبيحة يوم 23 شباط 1988 على مقرات الأتحاد الوطني الكوردستاني في سركلو و بركلو . واستغرقت ثلاثة اسابيع بسبب المقاومة الشديدة التي ابدتها قوات البيشمركة. ويدخل قصف حلبجة رغم انه لم يشكل جزءا من الأنفال في اطار الأنفال الأولى.2. الأنفال الثانية في منطقة قرداغ و بدأت في 22 آذار اي بعد يوم واحد من عيد النوروز و استمرت حتى نهاية هذا الشهر . وأشك ان يكون اختيار عيد نوروز قد جاء كمجرد صدفة.3. الأنفال الثالثة و التي شملت منطقة كرميان بمحافظة كركوك و بدأت في 7 نيسان اي في ذكرى تأسيس البعث و استمرت حتى 20 من نفس الشهر . و كانت أوسع و أقسى صفحات الأنفال و أكثرها تدميرا سواء من حيث مساحة المناطق التي شملتها أو عدد المؤنفلين . وكان الهدف هو تدمير كل الريف الكردي في هذه المحافظة و التخلص من اكبر عدد ممكن من الكرد لأستكمال عمليات التعريب التي بدأ البعث بتنفيذها منذ عام 1963 عندما وصل الى السلطة لأول مرة ليعود ألى تبنيها كأستراتيجية منذ السبعينات و لتصل الى مرحلة التطهير العرقي في الثمانينات و التسعينات . و يعتقد بأن أكثر من 150 ألفا من مجموع 182 ألف من المؤنفلين أخذوا من ساحة عمليات الأنفال الثالثة فقط .4. الأنفال الرابعة و شملت حوض الزاب الصغير في 7 و 8 مايس . 5. شملت الأنفال الرابعة و الخامسة و السادسة المناطق الجبلية بمحافظة أربيل. وبدأت في 15 مايس و استمرت حتى 7 تموز و اضطر النظام أمام المقاومة الشديدة التي أبدتها قوات الأنصار لوقف العملية بأمر صادر من مكتب الرئيس ( و يثبت هذا الأمر الدور المباشر لصدام حسين شخصيا في مسلخة الأنفال ) . وتجددت الهجمات في الأنفال السادسة و السابعة في تموز و آب لتعلن القيادة العامة للقوات المسلحة عن تطهير المنطقة ممن سموا بالمخربين.6. الأنفال الثامنة أو خاتمة الأنفال و بدأت بعد قبول ايران لوقف اطلاق النار في 8 / 8 / 1988 اذ تفرغت القوات العراقية لخاتمة مسالخ الأنفال و التي شملت منطقة بهدينان بشمال كوردستان العراق و بدأت في 25 آب و استمرت حتى 6 أيلول من نفس العام لتعلن الحكومة عن النصر و العفو العام لصيد البقية الباقية من سكان المناطق المشمولة بالأنفالات.كانت الخطة المتبعة في عمليات الأنفال هي نفسها تقريبا ، اذ يجري البدء بالقصف المدفعي و الجوي المكثف لعدة أيام مع استخدام الأسلحة الكيمياوية ليبدأ بعد ذلك الهجوم البري بعد ان يكون قد جرى استكمال تطويق المنطقة المستهدفة من كل الجهات من قبل قوات الجيش الشعبي و ما كانت تسمى بافواج الدفاع الوطني و سد جميع الطرق و الممرات لمنع هروب اي شخص الى خارج منطقة العمليات . وادت هذه العمليات الى مقتل عشرات الالاف من السكان المدنيين و القاء القبض على كل من بقي على قيد الحياة و نهب جميع ممتلكاتهم و حيواناتهم و اضرام النار في البيوت و المزارع ، لتأتي بعد ذلك فرق الهندسة العسكرية لتقوم بتدمير القرى و تسويتها بالأرض . وكانت الشاحنات العسكرية تقف على أهبة الأستعداد لنقل القرويين الى مراكز و معسكرات الأعتقال حيث يجري فصل النساء و الأطفال و كبار السن عن الرجال الذين ينقلون الى حيث لقوا مصيرهم المجهول . وتقوم قوات المرتزقة الكرد بعد ذلك بتمشيط المنطقة و سفوح الجبال لألقاء القبض على كل من تمكن من الأفلات ، بينما تقوم قوات الشرطة و الأمن و الجيش الشعبي بتمشيط القصبات و المجمعات السكنية لألقاء القبض على كل تمكنوا من الأفلات من قبضة الجيش . و انخدع الكثيرون بقرار العفو و سلموا انفسهم ليلقوا نفس المصير . و كان مهمة القوات النظامية تنتهي عند هذا الحد لتستلم قوات اخرى يعتقد بأنها قوات الأمن و المخابرات و المهمات الخاصة مهمة نقل و اخفاء أثر القرويين الكرد و عوائلهم الذين بلغ عددهم اكثر من 182 ألفا . و هناك تقارير كثيرة تشير الى دفن عشرات الالاف منهم في الصحراء الغربية على الحدود السعودية و الأردنية .وحدد بعض الناجين من مسالخ الأنفال مواقع عدد من المقابر الجماعية بالقرب من الرمادي و قرب مدينة حضر التاريخية جنوب الموصل و في صحراء السماوة . كما يعتقد بوجود مقبرتين جماعيتين في جبل حمرين احداهما بين كركوك و تكريت و الأخرى الى الغرب من طوز خورماتو . وهناك شواهد عديدة على اخضاع آلاف اخرى من هؤلاء التعساء للتجارب لمعرفة مفعول الأسلحة الكيمياوية و البيولوجية العراقية .و جرى نقل اكثر من 8 آلاف شخص من كبار السن الى سجن نقرة السلمان حيث مات الكثيرون بسبب الحر و الجوع و العطش و الأمراض و اكلت الكلاب السائبة جثثهم . ويروي الناجون العائدون من جهنم البعث قصصا تقشعر لها الأبدان عن حجم المعاناة الأنسانية لنزلاء قلعة نقرة السلمان على يد الملازم حجاج و رفاقه في العقيدة. كما روى بعض الناجين بأن الرجال كانوا يجمعون على شكل صفوف طويلة ثم يطلق النار عليهم ليسحبون بعد ذلك الى الحفر الكبيرة التي هيأت لهم مسبقا . وفيما بعد و بسبب الأعداد الكبيرة من المحكومين بالموت كانوا بوقفون على حافات الحفر ليقعوا فيها بعد ان يطلق النار عليهم او يقذفون الى الحفر الكبيرة و يجري اطلاق النار عليهم من جميع الجهات ليوارى التراب عليهم بعد التأكد من قتل الجميع . ويعتقد بأن مجموع الكرد الذين قتلوا خلال عامي 1987 و 1988 في عمليات الأنفال و العمليات العسكرية التي سبقتها و قصف حلبجة و اربعين موقعا آخر بالأسلحة الكيمياوية يقارب الربع مليون شخص. وكانت الحكومة العراقية تلاحق ضحاياها وراء الحدود ايضا فقد بعثت من تضع السم في خبز اللاجئين الكرد في تركيا و الذين هربوا بسبب الهجمات الكيمياوية في عمليات الأنفال الثامنة في منطقة بهدينان و الذين بلغ عددهم 80 الف شخص ، كما بعثت طائراتها الحربية لتلقي بقنابلها على رؤوس اللاجئين الكرد في ايران .إعتمدت الحكومة العراقية في التمهيد لعمليات الأنفال و تنفيذها خطة تضمنت ثلاث مراحل اساسية و ضرورية لتنفيذ أية عملية ابادة جماعية و هي : 1. تحديد أفراد الجماعة المستهدفة بعملية الأبادة .2. جمعهم في مراكز و معسكرات اعتقال تمهيدا للمرحلة التالية وهي ،3. التخلص منهم و إخفاء آثارهم الى الأبد بعيدا عن اعين الرقباء و الدخلاء.قام علي حسن المجيد بتنفيذ هذه الخطة بدقة . فقد وضع خطة على مرحلتين كما يشير بنفسه الى ذلك في شريط مسجل بتاريخ 15 نيسان 1989 وقع في ايدي المنتفضين في اذار 1991 اذ يقول (( في اول اجتماع عقدناه في نيسان 1987 مع قادة الجيش و الأمن و الشرطة و المحافظين و مسؤولي الحزب قررنا ترحيل سكان القرى لفصلهم عن المخربين . ونفذنا هذا القرار على مرحلتين بدأت الأولى من 21 نيسان و استمرت حتى 21 مايس و الثانية من 21 مايس و حتى 21 حزيران . وامرنا بقتل كل من يلقى القبض عليه اعتبارا من 22 حزيران في تلك المناطق التي اعلنت كمناطق محظورة و لازلنا ننفذ هذا القرار حتى هذا اليوم )). رحل عدد كبير من سكان هذه القرى و المراكز الحضرية الى المجمعات القسرية ، اما الذين رفضوا الأنصياع الى هذه السياسة و هربوا الى المناطق الواقعة تحت سيطرة البيشمركة فقد اصبحوا ضمن المجموعة المستهدفة . وتشير التقارير الى تدمير اكثر من 700 قرية خلال تلك المرحلتين . واشار المجيد في اجتماع مسجل آخر الى رسم خط فاصل عرفه بالخط الأحمر ليفصل بين المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة و تلك التي شملتها عمليات الأنفال فيما بعد . وكانت هناك مرحلة ثالثة جرى تأجيلها لكي تنفذ فيما بعد في إطار عمليات الأنفال . ومع بدأ المرحلة الأولى بدأت الهجمات الكيمياوية ايضا و التي بلغت خلال 18 شهرا 40 هجوما كما اصدر المجيد اوامره في تموز 1987 بالقيام (( بالقصف الجوي و المدفعي ليلا و نهارا لقتل اكبر عدد ممكن من المتواجدين في المناطق المحظورة )) . و امر في الفقرة الخامسة من القرار المذكور باعدام كل من يلقى القبض عليه في المناطق من البالغين من العمر 15 - 70 عاما بعد التحقيق معهم و الحصول على المعلومات المفيدة منهم .اما الخطوة الأدارية الأهم لتحديد المجموعة المستهدفة فكان احصاء السكان العام في اكتوبر 1987 . اذ وضع سكان ما سميت بالمناطق المحرمة بين خيارين اما (( ترك قراهم و بيوتهم و مزارعهم و القبول بالعيش في المجمعات القسرية - التي سميت ظلما و بهتانا بالمجمعات العصرية _ القذرة و تحت رحمة الأمن و المخابرات )) وكان هذا يساوي في الأعلام الحكومي (( عودة الى الصف الوطني)) أو اعتبارهم غير عراقيين و فقدانهم لجميع حقوق المواطنة في الدولة العراقية و اعتبارهم هاربين من الخدمة الألزامية و التي كانت عقوبتها الأعدام . وكلف المجيد في الوقت نفسه جميع المؤسسات المدنية و الأمنية و الحزبية بتحديد عوائل الهاربين و المتخلفين من الخدمة العسكرية و عوائل البيشمركة وجمع المعلومات التفصيلية عنهم في المدن و القصبات الخاضعة لسيطرة الحكومة و الذين أخذوا من بيوتهم و القي بهم في المناطق الجبلية و أجبروا الى اللجوء الى المناطق المحرمة لتشمل عمليات الأنفال اعداد كبيرة منهم فيما بعد . هكذا جرى تحديد المجموعة المستهدفة بعناية ليجري جمع الباقين منهم على قيد الحياة خلال عمليات الأنفال الثمانية بعد القاء القبض عليهم في مراكز و معسكرات الأعتقال لتقوم قوات الأمن و القوات الخاصة بفصل الرجال عن النساء و الأطفال و الشيوخ و من ثم يتم التخلص منهم و اخفاء آثارهم بطرق و أساليب مختلفة لا زال الغموض يحيط بالكثير من تفاصيلها الدقيقة. و اتخذت الحكومة العراقية من عملية اخفاء اثر اكثر من 8 آلاف من الرجال البرزانيين الذين اخذوا من مجمع قوشتبة القريبة من اربيل صيف عام 1983 نموذجا للتعامل مع ضحايا الأنفال . ورغم توفر أدلة لا يشك في صحتها بأن عشرات الالاف من المدنيين الكرد الذين غيبتهم القوات العراقية خلال عام 1988 جرى القضاء عليهم ، الا ان هناك الاف العوائل التي لازالت تنتظر حدوث معجزة لمعرفة مصير مفقوديها . وهناك مشاكل اجتماعية و نفسية كبرى تعاني منها هذه العوائل و بخاصة النساء و الأطفال الذين يصعب عليهم ممارسة حياة طبيعة دون التأكد من مصير ذويهم. وللبحث عن تفسير لما حدث خلال هذه العمليات لا بد من القاء الضوء على بعض النقاط :1. يشير البعض بأن الحكومة العراقية كانت في حرب مصيرية مع ايران وكانت تقاتل الحركات المسلحة الكردية عند قيامها بعمليات الأنفال . وتلجأ حكومات العالم الثالث عادة الى استخدام كل الوسائل المتوفرة لديها للقضاء على الحركات المناوئة لها . ويمكن الرد على هذه الطروحات بأن الأنفال شملت اعداد كبيرة من المدنيين الذين لم يشاركوا بصورة مباشرة في العمليات العسكرية و جرى تحديدهم عندما استثنوا من احصاء عام 1987 و جمعوا في معسكرات وجرى التخلص منهم بعد ايام او اسابيع و حتى اشهر من القاء القبض عليهم. وكانت هناك اقلية من المقاتلين او الذين شكلوا قوة مؤازرة للحركة المسلحة الكردية ، اما الباقي وهم الأكثرية فكانوا من المدنيين و جرى قتلهم لسبب واحد لكونهم سكان تلك المناطق التي اعلنتها مناطق محرمة . و اظهر تحليل الوثائق بأن الأنفال عبارة عن عملية منهجية و سبق ان خطط لها بصورة دقيقة ، كما أظهرت الوثائق بأن فرق الأعدام جرى انتقائها من بين اعضاء النخبة في وحدات الأمن و التي لم تكن مرتبطة بالقوات المسؤولة عن اعتقال الأكراد. ولم تكن هذه المجازر نتيجة لأنفعال قادة عسكريين ميدانيين قاموا بقتل الناس وخالفوا القوانين دون معرفة قياداتهم العليا ، بل تظهر الوثائق بصورة لا لبس فيها الى توفر النية لدى اعلى مراكز القرار و في قمة هرم السلطة لأبادة الكرد بصورة منهجية و بأعداد هائلة و جرى كل ذلك بأوامر صريحة من الحكومة المركزية . لذلك لايمكن ان تقنع مثل هذه الطروحات احدا من الكرد و غيرهم بل يجب ان نبحث عن التفسير في مجمل المنظومة السياسية و الفكرية السائدة في العراق خلال العقود الأربعة الأخيرة.2. سيادة النظام الشمولي الرافض لأي وجود للآخر و المستعد للجوء الى كل الوسائل المتوفرة لديه مهما كانت قاسية لأستئصال معارضيه و فرض العقاب الجماعي على مناطق و فئات واسعة من السكان بسبب نشاطات مناهضة. وهناك من الأدلة ما لا يتسع وقت اي ندوة لسردها . وفي حالة الأنفال كانت شعارات الأمن الوطني العراقي و تعاون الحركة المسلحة الكردية مع دولة اجنبية في حالة حرب ضروس مع العراق و المطالبة بحقوق قومية و الحفاظ على الخصوصية القومية في ظل نظام شمولي مبررات كافية لأقناع اعداد كبيرة من أنصار النظام بتنفيذ هذه الجرائم .3. ولا يمكن ان ننسى بطبيعة الحال أن سيادة افكار العنف و القسوة في العراق خلال العقود الثلاثة التي سبقت مسالخ الأنفال هيأت الأرضية لحدوث مثل هذه الجرائم المرعبة. و الغريب ان هذه الأفكار سادت معظم التيارات السياسية العراقية التي تبنت فكرة قلع الآخر من الجذور وبخاصة في العهد الجمهوري الزاهر . ولا زلنا و مع الأسف و بعد كل هذه الكوارث التي حلت بنا نرى مظاهر الغاء الاخر تسود شرائح مهمة من الطيف السياسي العراقي.4. كانت الحكومة العراقية تدعي قبل و اثناء و بعد قيامها بعمليات الأنفال بأنها تعمل على الحفاظ على وحدة العراق و حماية البوابة الشرقية للوطن العربي و غير ذلك من الشعارات القومية البراقة . نحن لا نناقش هنا مصداقية حزب البعث الحاكم في اخلاصها لمبادئ الحركة القومية العربية ، لأن ذلك يدخل في صلب مهام القوميين العرب و بخاصة العراقيين منهم . ولكننا يجب ان نشير الى ان الحركة القومية العربية تعاني من تخبط فكري كبير في تعاملها مع القضية الكردية و تتبنى أحيانا مفاهيم تناقض حقائق التأريخ و الجغرافيا . لا تدخل مناقشة هذه المسألة المهمة و الملحة في اطار الموضوع الذي انا بصدده و اتمنى ان نخصص ندوات اخرى للبحث فيها . ولكن الشعارات القومية البراقة التي يحاول حزب البعث ان يضفيها على سياسياته لازالت تخدع بعض السذج الناقمين على اوضاعهم و حكوماتهم . منفذ مسالخ الأنفال يوصف الكرد في الأجتماعات العديدة المسجلة على الأشرطة بأوصاف في غاية العنصرية فهم لا يستحقون الحياة (( لأنهم يعيشون مثل الحمير )) (( وهم كلاب يجب ان اطحن رؤوسهم )) و (( ما الفائدة التي نجنيها من هؤلاء )) و (مستحيل ان يكون بينهم انسان جيد ) (( اهتكوا اعراضهم )) (( لن اضربهم بالأسلحة الكيمياوية ليوم واحد بل سأضربهم لمدة 15 يوما ))(( سادفنهم بالبلدوزرات )) او ((ارسلوهم الى الجبال ليعيشوا كالماعز )) و غير ذلك من الكلمات النابية و المقولات العنصرية. و عن تعريب محافظة كركوك التي لازال البعض من الكتاب و المثقفين العرب لا يريدون الأعتراف بها يقول على حسن المجيد (( اود ان اتحدث عن نقطتين الاولى التعريب و الثانية المناطق المشتركة بين الأرض العربية و منطقة الحكم الذاتي. المسألة التي اتحدث عنها هي مسألة كركوك . عندما قدمت الى هنا لم يزد العرب و التركمان على 51 % . مع كل ماقمنا صرفت 60 مليون دينار حتى وصلنا الى الوضع الحالي . كل العرب الذين جلبناهم الى كركوك لم يوصلوا النسبة الى 60% ، لذلك منعت الكرد في كركوك و المناطق القريبة منها العمل خارج منطقة الحكم الذاتي )). يمكن ان يطول الحديث عن هذا الموضوع ونترك الأمر للقوميين العرب للرد على المجيد و رفاقه .5. عند الحديث عن عمليات الأنفال رغم وحشيتها و تجاوزها لكل الحدود و رغم عدم اختلاف اثنين من البشر على عدم وجود اي مبرر للقيام بها ، الا اننا لا يمكن ان نخلي ساحة الحركات السياسية الكردية من جزء من المسؤولية التأريخية التي تتحملها بسبب عدم تقييمها للنظام الحاكم ومايمكن ان يقوم به من افعال شنيعة تقييما صحيحا و بسبب تحالفاتها الأقليمية التي لم تسفر الا عن المزيد من الكوارث و الالام للشعب الكردي .ورغم ادانة عدد كبير من المثقفين و السياسيين العرب العراقيين و غير العراقيين لمسالخ الأنفال و لكننا نعتقد مخلصين بأن مواقف النخب الثقافية و السياسية العربية و بخاصة العراقية لازالت لا تتناسب مع حجم الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الكردي و تتحمل هذه النخب المسؤولية السياسية و الأخلاقية لأدانة هذه الجرائم في كل المحافل السياسية و الثقافية العربية و العالمية، كما ان النظام القادم يتحمل المسؤولية الأخلاقية للقيام بالتحقيق النزيه في هذه الجرائم و تحديد مرتكبيها والعمل على مثلوهم امام محاكم عادلة لكي لا تتكرر مثل هذه المجازر في المستقبل .

ليست هناك تعليقات: