13 من مارس عام 1988م في احد الایام الباردة و المُثلجة في جبهات الغرب ، شُنّت عملیات بموازات سلسلة عملیات و الفجر 10 باستهداف مدینة زور العراقیة(حلبجة). وقد سار کل شیئ حسبما خطط له مسبقاً.
و اخذت اغلب آلیات العدو و اجهزته کغنائم و قد أُسّر بعض قوات العدو و قَُتل العدید منهم. و حررت المنطقة المستهدفة بشکل کامل 100%. حسب الخطة قدسیطرنا علی الف کیلو متر مربع. إن هذه المنطقة (حلبجة) کانت دوما في صراع و حروب دامیة بین شعبها و الحکومة العراقیة آنذاك. وکان لهؤلاء الناس الدور الکبیر في مساعدة القوات الایرانیة طوال سنین الحرب المفروضة وکانت من المدن التي انتفضت ضد النظام الحاکم عدة مرات.
في الساعة الـ10 صباحاً من یوم15 مارس 1987م و علی الهضاب المطلة علی مدینة حلبجة في نقطة من الارتفاعات جنوبيّ المدینة کتب اراقب العمق الوسیع لهذه المنطقة بمنظار المراقبة. وسعةٌ لا یمکن رؤیتها بالعین المجردة جیداً . کانت الطائرات العراقیة تبادر الی قصف بعض النقاط ولکنها لم تتمکن من ایراد خسائر جسیمة. کانت ردّة فعل الناس في حلبجة عند دخول القوات الایرانیة ایجابیة جداً . وعندما دخلت انا شخصیاً الی المدینة بالسیارة واجهت الترحیب و التلویح الکثیف للناس بالنسبة لقواتنا و کان الاطفال یقلدون حرکة الکبار و یلوحون بأیدیهم الصغیرة إلینا .
و في الصباح الباکر قام احد المواطنین کعادته في کل یوم بفتح حانوته الصغیر و الجلوس علی کرسیه. و قد قدم بعض المدنیین امام ارجل القوات الایرانیة القرابین. ولم تقع بین المواطنین و قواتنا أیة مقاومة او اشتباکات. وهذا یحکي عن قبول الناس للامر . و کان حضور الناس بالشکل المعتاد لا یِوصف ابداً .کان العدو البعثي قد حوصر تماماً ، و کانوا یقعون بالأسر افواجاً افواجا و قد حصلنا علی غنائم کثیرة . بعد تفقد المدینة رجعنا الی المقر . و فجأة رأینا عدد کبیراً من الطائرات العراقیة في السماء .
وبعد مناورات سریعة القت عدداً کبیراًَمن القذائف علی المدینة، ولکن لم تدوي اصوات انفجارات قویة کالمعتاد . ثمّ صرخ الجمیع «کیمیاوي، کیمیاوي» و اختفت المدینة في اعمدة من الغازات الکثیفة. و بعد لحظات ظهرت عدد من الطائرات الاخری في السماء و قصفت القری المحیطة بحلبجة و التي تدعی «اِنب» و «ابا عبیده» بالکیماوي.
وبعد ساعة عندما هدأت الاوضاع نسبیاً، ولکن أي هدوء؟؟ هدوء ممیت، یصحبه عدد کبیر من جنائز العجزة و الاطفال و النساء و الرجال و... الذین سقطوا کالاوراق الخریفیة في الشوارع و الأزقة ، و کانوا منتشرین في السرادیب و البیوت . و سُمع صوت الطائرة مرّة اخری، نظرنا في السماء لنری الطائرة حیث سمعنا صوت انفجارات خفیفة للقذائف الکیماویة مرّة اخری ...و مرة اخری... بعد ثلاثة ایام من هذه الواقعة کنت أمرّ من طریق « نوسود» الی حلبجة حیث مررت بقریة «اِنب» في الساعة 12 لیلاً، کان الطریق مظلما جداً و کان یمرّ من وسط بیوت قریة «اِنب» کنت انتظر الوصول الی المدینة وکانت هذه المرة الاولی التي اعبر من هذه القریة بعد القصف الکیماوي و اذ کان هذا الطریق الرئیسي. تهیّأ لي انني رأیت بعض الجنائز امام السیارة وسط الطریق . کان الطریق شدید الظلام فتصوّرت ان بعض جذوع الاشجار قد اغلقت الطریق فنزلت من السیارة لإزاحتها فرأیت الطریق مملوء بالجنائز . الرجل و المرأة ، الشاب و الطفل ...
شعرت بالقشعریرة في جسدي . و کاد قلبي ان یتوقف ... یاالله ماذا أری... وجّهت ضوء المرکبة علیهم و في ذلك الوقت فهمت ماذا جری هنا ؟
مئات الاجساد من النساء و الرجال و الاطفال و الشباب و العجائز ملتویة بعضها ببعض و متراكمة واحدة فوق الاخری و قد ملأت الطریق الرئیسي .و کان وسط هذه الاجساد سیارات شحن صغیرة مملوئة بالاجساد و من الظاهر أنها کانت تلوذ بالفرار و اختنقت حینها . لزمتني العبرة و فهمت ان الانسان الی أي حدّ یتمکن ان یتّصف بالوحشیة والحیوانیة. رائحة الغازات الخانقة، الخردل و السیانور الکریهة لم تدعني ان اتوقف اکثر من ذلك. رکبت السیارة و ذهبت من طریق آخر. و تصوّرت أنّ هذا الذي رآیته کلّ ما حدث في هذه القریة الی أن عدّت مرة اخری في الیوم الثاني الی «اِنب».
الله اکبر...الله اکبر الی اي حدّ یتمکن الانسان ان یخوض في السبوعیة ، إن القریة من اولها الی آخرها و الی شعاع مئة متر عنها و کذلك داخل جمیع البیوت، السرادیب، الازقة، الشوارع الاصلیة و بجنب العیون و...کانت الاجساد في کل مکان. وما مدی صبر الله حیث لم یرسل عذابه في ذلك الآن علی جُنات بغداد .
وفي الجهة الاخری من هذه القریة الصغیرة حیث تبعد 5 کیلو مترات عن حلبجة کان عدد کبیر من النساء و الاطفال جالسین .من الواضح أنهم کانوا ینتظرون و یستعدون للحرکة او الفرار. لانهم کان بأیدیهم وسائل و معدات خفیفة یدویة وقد اختنقوا جمیعهم مع بعضهم البعض و في الجانب الآخر خارج القریةو بقرب العین تجمع العشرات من الاشخاص بقرب الماء تحت الظل و بعد القصف الکیماوي استشهد الجمیع في مکانهم و سقط البعض منهم في الماء.
إن افجع مشهد رأیته ، مشهد اجتماع 15 او 20 طفلاً کانت تتراوح اعمارهم بین العام و السبعة اعوام .
الناس الذین قد هلعوا و فرّوا من الخوف قد استشهدوا في الطریق. اجساد الاطفال بدون والدیهم و اجساد الاب و الام من دون اطفالهم و النساء بدون ازواجهم و الرجال بدون اطفالهم و... کانت شدّة القصف کبیرة جداً حیث شملت الطیور في السماء و الانعام و الاحشام . و قد اختنق عدد من الاهالي بین احشامهم في بیوتهم .
بعد ایام جائت هیئة من جانب الامم المتحدة لدراسة الوضع في المنطقة . کانت هیئةطبیة ـ عسکریة لتجري دراسة حول صحةو سقم القضیةو ترسل تقریرها .
و خلال زیارة هذه الهیئة ، کانت شدّة رائحة الغازات الخانقة و ایضاً رائحة شهداء انب و حلبجة جراء الغاز، بالشکل الذي ومع ارتداء الاقنعة و الادوات الامنیة ولکنهم لم یتمکنوا من التوقف کثیراً في اِنب و بمشاهدة الوضع و اجساد الاطفال، الکبار و العجائزو النساء و...اعدوا تقریرهم.
و بعد مضي شهر نشرت الامم المتحدة تقریراً جاء في جزء منه :لم یصلنا تقریراً موثقاً حول استخدام العراق للاسلحة الکیماویة في حلبجة ...!! وطبعاً کان هذا بجهود ایران حیث اعترفت بهذا الحد.
یجب ان تبقی«اِنب» في التاریخ. و یجب ان تسجل حلبجة في التاریخ. و یجب ان تنقل للاجیال جرائم البعث العراقي في«انب»و «حلبجة» کما تنقل جرائم الصهیونیة في «تل زعتر» و «دیر یاسین» .
خاطرات محمد رضا میر معیني ـ المقاتل و التعبوي ـ عن قصف حلبجة الکیماوي
صحیفة جمهوري اسلامي ایران، العدد3194، السنة الثانیةعشر ،10 حزیران 1990م
و اخذت اغلب آلیات العدو و اجهزته کغنائم و قد أُسّر بعض قوات العدو و قَُتل العدید منهم. و حررت المنطقة المستهدفة بشکل کامل 100%. حسب الخطة قدسیطرنا علی الف کیلو متر مربع. إن هذه المنطقة (حلبجة) کانت دوما في صراع و حروب دامیة بین شعبها و الحکومة العراقیة آنذاك. وکان لهؤلاء الناس الدور الکبیر في مساعدة القوات الایرانیة طوال سنین الحرب المفروضة وکانت من المدن التي انتفضت ضد النظام الحاکم عدة مرات.
في الساعة الـ10 صباحاً من یوم15 مارس 1987م و علی الهضاب المطلة علی مدینة حلبجة في نقطة من الارتفاعات جنوبيّ المدینة کتب اراقب العمق الوسیع لهذه المنطقة بمنظار المراقبة. وسعةٌ لا یمکن رؤیتها بالعین المجردة جیداً . کانت الطائرات العراقیة تبادر الی قصف بعض النقاط ولکنها لم تتمکن من ایراد خسائر جسیمة. کانت ردّة فعل الناس في حلبجة عند دخول القوات الایرانیة ایجابیة جداً . وعندما دخلت انا شخصیاً الی المدینة بالسیارة واجهت الترحیب و التلویح الکثیف للناس بالنسبة لقواتنا و کان الاطفال یقلدون حرکة الکبار و یلوحون بأیدیهم الصغیرة إلینا .
و في الصباح الباکر قام احد المواطنین کعادته في کل یوم بفتح حانوته الصغیر و الجلوس علی کرسیه. و قد قدم بعض المدنیین امام ارجل القوات الایرانیة القرابین. ولم تقع بین المواطنین و قواتنا أیة مقاومة او اشتباکات. وهذا یحکي عن قبول الناس للامر . و کان حضور الناس بالشکل المعتاد لا یِوصف ابداً .کان العدو البعثي قد حوصر تماماً ، و کانوا یقعون بالأسر افواجاً افواجا و قد حصلنا علی غنائم کثیرة . بعد تفقد المدینة رجعنا الی المقر . و فجأة رأینا عدد کبیراً من الطائرات العراقیة في السماء .
وبعد مناورات سریعة القت عدداً کبیراًَمن القذائف علی المدینة، ولکن لم تدوي اصوات انفجارات قویة کالمعتاد . ثمّ صرخ الجمیع «کیمیاوي، کیمیاوي» و اختفت المدینة في اعمدة من الغازات الکثیفة. و بعد لحظات ظهرت عدد من الطائرات الاخری في السماء و قصفت القری المحیطة بحلبجة و التي تدعی «اِنب» و «ابا عبیده» بالکیماوي.
وبعد ساعة عندما هدأت الاوضاع نسبیاً، ولکن أي هدوء؟؟ هدوء ممیت، یصحبه عدد کبیر من جنائز العجزة و الاطفال و النساء و الرجال و... الذین سقطوا کالاوراق الخریفیة في الشوارع و الأزقة ، و کانوا منتشرین في السرادیب و البیوت . و سُمع صوت الطائرة مرّة اخری، نظرنا في السماء لنری الطائرة حیث سمعنا صوت انفجارات خفیفة للقذائف الکیماویة مرّة اخری ...و مرة اخری... بعد ثلاثة ایام من هذه الواقعة کنت أمرّ من طریق « نوسود» الی حلبجة حیث مررت بقریة «اِنب» في الساعة 12 لیلاً، کان الطریق مظلما جداً و کان یمرّ من وسط بیوت قریة «اِنب» کنت انتظر الوصول الی المدینة وکانت هذه المرة الاولی التي اعبر من هذه القریة بعد القصف الکیماوي و اذ کان هذا الطریق الرئیسي. تهیّأ لي انني رأیت بعض الجنائز امام السیارة وسط الطریق . کان الطریق شدید الظلام فتصوّرت ان بعض جذوع الاشجار قد اغلقت الطریق فنزلت من السیارة لإزاحتها فرأیت الطریق مملوء بالجنائز . الرجل و المرأة ، الشاب و الطفل ...
شعرت بالقشعریرة في جسدي . و کاد قلبي ان یتوقف ... یاالله ماذا أری... وجّهت ضوء المرکبة علیهم و في ذلك الوقت فهمت ماذا جری هنا ؟
مئات الاجساد من النساء و الرجال و الاطفال و الشباب و العجائز ملتویة بعضها ببعض و متراكمة واحدة فوق الاخری و قد ملأت الطریق الرئیسي .و کان وسط هذه الاجساد سیارات شحن صغیرة مملوئة بالاجساد و من الظاهر أنها کانت تلوذ بالفرار و اختنقت حینها . لزمتني العبرة و فهمت ان الانسان الی أي حدّ یتمکن ان یتّصف بالوحشیة والحیوانیة. رائحة الغازات الخانقة، الخردل و السیانور الکریهة لم تدعني ان اتوقف اکثر من ذلك. رکبت السیارة و ذهبت من طریق آخر. و تصوّرت أنّ هذا الذي رآیته کلّ ما حدث في هذه القریة الی أن عدّت مرة اخری في الیوم الثاني الی «اِنب».
الله اکبر...الله اکبر الی اي حدّ یتمکن الانسان ان یخوض في السبوعیة ، إن القریة من اولها الی آخرها و الی شعاع مئة متر عنها و کذلك داخل جمیع البیوت، السرادیب، الازقة، الشوارع الاصلیة و بجنب العیون و...کانت الاجساد في کل مکان. وما مدی صبر الله حیث لم یرسل عذابه في ذلك الآن علی جُنات بغداد .
وفي الجهة الاخری من هذه القریة الصغیرة حیث تبعد 5 کیلو مترات عن حلبجة کان عدد کبیر من النساء و الاطفال جالسین .من الواضح أنهم کانوا ینتظرون و یستعدون للحرکة او الفرار. لانهم کان بأیدیهم وسائل و معدات خفیفة یدویة وقد اختنقوا جمیعهم مع بعضهم البعض و في الجانب الآخر خارج القریةو بقرب العین تجمع العشرات من الاشخاص بقرب الماء تحت الظل و بعد القصف الکیماوي استشهد الجمیع في مکانهم و سقط البعض منهم في الماء.
إن افجع مشهد رأیته ، مشهد اجتماع 15 او 20 طفلاً کانت تتراوح اعمارهم بین العام و السبعة اعوام .
الناس الذین قد هلعوا و فرّوا من الخوف قد استشهدوا في الطریق. اجساد الاطفال بدون والدیهم و اجساد الاب و الام من دون اطفالهم و النساء بدون ازواجهم و الرجال بدون اطفالهم و... کانت شدّة القصف کبیرة جداً حیث شملت الطیور في السماء و الانعام و الاحشام . و قد اختنق عدد من الاهالي بین احشامهم في بیوتهم .
بعد ایام جائت هیئة من جانب الامم المتحدة لدراسة الوضع في المنطقة . کانت هیئةطبیة ـ عسکریة لتجري دراسة حول صحةو سقم القضیةو ترسل تقریرها .
و خلال زیارة هذه الهیئة ، کانت شدّة رائحة الغازات الخانقة و ایضاً رائحة شهداء انب و حلبجة جراء الغاز، بالشکل الذي ومع ارتداء الاقنعة و الادوات الامنیة ولکنهم لم یتمکنوا من التوقف کثیراً في اِنب و بمشاهدة الوضع و اجساد الاطفال، الکبار و العجائزو النساء و...اعدوا تقریرهم.
و بعد مضي شهر نشرت الامم المتحدة تقریراً جاء في جزء منه :لم یصلنا تقریراً موثقاً حول استخدام العراق للاسلحة الکیماویة في حلبجة ...!! وطبعاً کان هذا بجهود ایران حیث اعترفت بهذا الحد.
یجب ان تبقی«اِنب» في التاریخ. و یجب ان تسجل حلبجة في التاریخ. و یجب ان تنقل للاجیال جرائم البعث العراقي في«انب»و «حلبجة» کما تنقل جرائم الصهیونیة في «تل زعتر» و «دیر یاسین» .
خاطرات محمد رضا میر معیني ـ المقاتل و التعبوي ـ عن قصف حلبجة الکیماوي
صحیفة جمهوري اسلامي ایران، العدد3194، السنة الثانیةعشر ،10 حزیران 1990م
http://www.chemical-victim.com/khaterat-ar1.aspx
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق