دراسة أسباب الموت الجماعي لسكان مدينة حلبجة نتيجة إصابة الجهاز التنفسي خلال تعرض المدينة للقصف بالأسلحة الكيماوية في آذار من عام 1988
سوف يسجل التاريخ الجريمة النكراء التي إقترفها النظام العراقي في حلبجة من خلال قصفه للمدينة بالأسلحة الكيماوية. لقد قمنا بدراسة حول البعض من المصابين في مراكز العلاج الكبرى. و من بين الذين تم نقلهم الى مستشفى الإمام الرضا (ع) في مدينة مشهد المقدسة, حيث قمنا بدراسة حول عدد من المصابين بالجهاز التنفسي و الذين تتم معالجتهم.
نماذج من الذين قضوا من خلال قصور في الجهاز التنفسي كانت على الشكل التالي:
مريض1-4-ألف. شاب عمره عشرين سنة, ذكر, كانت علائم الإحتراق تبدوا عليه, و كان جهازه التنفسي قد تعرض للإصابة بأضرار حيث تم إدخاله إلى المستشفى. كان المريض يعاني من إفراز للمادة المخاطية من صدره بشكل كبير, و تراخي في التنفس بالإضافة إلى عدم القدرة على إشباع الدم بالأوكسيجن.
وضع للمريض أنبوب من أجل سحب المخاط من القصبة الهوائية إلا أنه توفي نتيجة قصور في التنفس و الذي نتج عن إنسداد في الشعب الهوائية.
المريض 2-س-ع. فتاة في الثانية عشر من عمرها. كانت مبتلاة بحالات ضيق التنفس و الإختناق و التي كانت تنتج عن برونكو سباسم جنرايزه. كانت هذه الحالة تتحسن مع العلاج. إلا أن تحسنها كان نسبياً. كانت آخر مرة تعرضت لها هذه المريضة لحالة ضيق النفس بعد مضي 23 يوماً على دخولها المستشفى, حيث عانت من قصور في التنفس, و على الرغم من الإستعانة بالأدوية المناسبة و التنفس عبر الأوكسيجن إلا أن ذلك لم ينفع. كما يحتمل أن المريض كان عنده بنوموتوراكس.
المريض 3-2-2. شاب في الثانية و العشرين من عمره, كانت حالته غير مستقرة أبداَ, كان البلغم يخرج من صدره بشكل كبير, و كان بحاجة إلى معاينة مستمرة, و قد تم إدخاله إلى المستشفى. توفي المريض بسبب عدم قدرته على تنظيف المجاري الهوائية بالشكل المناسب.
يبدوا أن نوع الغاز الذي إستخدم كان عبارة عن خليط بين عناصر الخردل و التابون و ذلك ما كان يؤدي إلى إصابة المصابين بالإغماء, بعد مضي فترة من يومين الى ثلاثة, و في النهاية كانوا يموتون. كاتب المقال: الدكتور مهدي كشميري. محلل البحث: القسم الداخلي (قسم الرئة – مستشفى الإمام الرضا (ع) ) كلية العلوم الطبية_ مشهد.
مأساة رمضان:
بدأت حركة أهالي حلبجة على شكل مظاهرات واسعة قاموا بها على الرغم من عدم موافقة النظام البعثي ومنعهم من القيام بها. في ذالك اليوم قامت ثلاث مساجد هي مسجد باشا و مسجد جمهوري و المسجد الجامع بالإعلام عبر مكبرات الصوت عن كل ما كان يقوله رجال الدين هناك, و لم تهدأ لحظة واحدة. قام طلاب أحد المدارس الدينية الواقعة في القسم الحنوبي من منطقة كاني عاشقان, بالنزول إلى الشارع و بعد أن إلتحق بهم جمع من الناس, توجه الجمع نحو منطقة سرا. قام عدد من المسؤولين في محافظة السليمانية الذين تنبهوا الى المظاهرات و عملوا على الحد و منع الناس من التظاهر. كانت المقاومة تشتد يوماً بعد يوم على رغم تزايد الضغوط التي كانت تعيشها الناس من جراء ظلم و تمادي النظام البعثي, خلال إستيلائهم على المنطقة. عمل النظام البعثي جاهداً من أجل منع أهالي حلبجة من القيام و النهوض بوجهه, و من بين الأساليب التي إستعملها كان التفرقة بين الناس, كما قام بإخلاء بعض القرى الكردية و نقل سكانها الى المناطق العربية و إسكان العرب مكان الأكراد في قراهم. أدى إصرار صدام على تنفيذ هذا المشروع إلى أن يتنبه بعض المسؤولين في محافظة كردستان العراقية حيث قاموا بإخبار الناس بهذا المخطط الخبيث و أعلموا أهالي الموصل و اربيل و الحاج عمران و حلبجة و السليمانية به, كما عملوا على منع تنفيذ هذا المخطط. بعدها ثار الناس في حلبجة و كان من أبرز من قام في هذه المدينة, رجال الدين المجاهدين في المنطقة. لذلك قام النظام البعثي و شدد الضغط على رجال الدين مما أجبرهم على تبديل مجاهدتهم العلنية إلى سرية و ذلك تجنباً منهم لهذه الضغوط, وعدم قبولهم للظلم و الجور الذي قد يتعرضوا له من قبل هذا النظام.
في ذلك اليوم كان الناس يزدادون في كل لحظة و كان صوت المتظاهرين يعم الأجواء في المدينة. كما كان لحضور عدد من رجال الدين في الصف الأول بين المتظاهرين أثراً كبيراً في تقويتهم و بث الإطمئنان في القلوب مما شجع الناس أكثر على الإلتحاق بركب المتظاهرين.قام أهالي منطقة كاني عاشقان بالإلتحاق بالجمع دفعة واحدة, و إندفع رجالهم و نساءهم متجهين الى منطقة سرا, رافعين قبضاتهم و هم يرددون الشعرات بأعلى أصواتهم.
كانت هذه المنطقة مركزاً للإدارات الحكومية وعندما تجمع الناس توقفت الإدارات عن العمل. كان الناس يراقبون بحذر البناية التي تتمركز فيها عناصر المخابرات, حيث كان يقف على بابها عدد من الحراس المسلحين.
عندما رأى رئيس المخابرات هجوم الناس إرتعب و خاف و أصدر أمراً بإطلاق النار, فإمتزج أزيز الرصاص بهتافات الموت لصدام و لم تمض لحظات حتى سقط الجميع على الأرض. عندما رأت النسوة الشهداء يغرقون بدمائهم إرتفع نحيبهن. في البداية إستشهد أربعة ممن كانوا في مقدمة المظاهرة. بعد ذلك إزداد غضب الناس و تابعوا يرددون شعار "الموت لصدام" بأعلى أصواتهم فترتجف لها أرجاء المدينة. و رفع المتظاهرون الشهداء على الأكف ثم تابعوا المظاهرة.
كان أمام مركز الشرطة البلدية عدد من العسكريين من أهل المدينة يقال لهم "جاش", عندما رأوا الشهداء مضرجين بدمائهم و قد رفعهم المتظاهرون على أكفهم و هو يرددون الله أكبر, عندها إنضموا إلى المتظاهرين الذين إستقبلوهم بالورود و الصلوات على النبي و آله (ص), و تابعت المسيرة طريقها. أما الجنود الذين كانوا أمام مركز المخابرات, فقد فروا ليختبؤوا داخل المبنى و ذلك بعد أن رأوا أنهم عاجزين عن السيطرة على الوضع.
قام أهل المدينة ضد صدام كالرجل الواحد, و كانوا يصيحون بأعلى أصواتهم ضد حزب البعث. كانوا يحاولون أن يسحقوا بأقدامهم سنين الظلم التي عانوها خلال حكم صدام في المنطقة. في ذلك اليوم أراد أهالي حلبجة أن ينهوا حسابهم مع صدام. لقد وصل حقدهم ضد النظام البعثي إلى حد لا يحتمل, و ها هم الآن مستعدين لإنقاذ أنفسهم من هذا الظلم.
منذ أن بدأ مركز رمضان القيام بالعمليات العسكرية تحت عنوان عمليات فتح و ظفر زال خوف الناس من الجيش العراقي و لم يعد يرهبهم هذا الجيش, فقد أجبرت العمليات التي يقوم بها المجاهدين من عرب و أكراد و إنتشارهم في المناطق المختلفة من العراق, أجبرت صدام على القيام بإنتهاج سياسة أخرى من أجل قمع الشعب العراقي.
من أجل قمع الناس عمد حزب البعث الى بث الفتنة و الإختلاف بين العرب و الأكراد في المنطقة. كان صدام و من خلال الطابع العربي لحزب البعث, يشجع العرب على مقاتلة الأكراد في المناطق الكردية. حتى أن علي حسن مجيد إبن عم صدام, و الذي كان قد عينه مسؤول شؤون شمال العراق قال في خطاب ألقاه في اربيل: "إما أن يلبسنا الأكراد لباساً كردياً و إما أن نلبسهم اللباس العربي".
تدمير المناطق التي يسكنها الأكراد و نقل مجموعات من الناس الى المخيمات المتفرقة في الصحراء قرب الحدود العراقية الأردنية و السعودية, بالإضافة إلى خلق جو من الرعب أدى إلى تهجير الأكراد القاطنين في المناطق الحدودية. كان صدام يعمل على تخريب القرى في محافظة كردستان العراقية, و يجبر الناس على الإنتقال إلى الجنوب أو كان يعمل على نقلهم إلى المدن الكبرى كالسليمانية و كركوك و الموصل و حلبجة حيث كان يهدف من ذلك أن يحصر وجودهم في المدن الكبرى التي ذكرناها و السيطرة على الأكراد في المنطقة. من هنا إزداد عدد السكان في مدينة حلبجة حيث أقبل العديد من أهالي القرى المجاورة ليسكنوا في هذه المدينة مجبرين. إلا أن قيام البعثيين بهذا العمل ومحاولتهم التحكم بالناس لم تؤدي إلى إبعادهم عن الجهاد, بل على العكس ساهمت على إيجاد تشكلات جديدة و أعلنوا مخالفتهم بشكل علني لنظام صدام, و كانت مظاهراتهم هذه من أجل التعبير عن مخالفتهم لهذا النظام.
عم صمت غريب كل المدينة. بعد أن شيع الناس شهداءهم عادوا ليتجمعوا مجدداً في ساحات المدينة. إلتفت الجميع إلى طائرة مروحية قامت بالتحليق في أجواء المدينة. بعد جولتها إختفت لتعود بعد نصف ساعة ومعها عدد آخر من المروحيات.
مع إطلاق النار نحو ساحة كاني عاشقان, إنبطح عدد من الناس على الأرض. إختبأ الناس خلف الأبنية, و كان صوت النيران الرشاشة نذير الموت إليهم. قامت إحدى المروحيات بإطلاق صاروخ نحو إحدى الأبنية السكنية و سمع دوي إنفجار رهيب أتبعه حريق إلتهم عدد من البيوت حوله. كان القصف مركزاً على منطقة كاني عاشقان, و قد إختبأ الناس خلف جدران الأبنية ليحموا أنفسهم من القصف. إستمرت المواجهة في المنطقة حتى المساء, كما أن وجود المسجد الجامع و مسجد جمهوري في شمال المنطقة و مدرسة العلوم الدينية في جنوبها زاد من إنزعاج العراقيين من هذه المنطقة.
عند حلول الليل, عم القلق و السكون كل المدينة. و مما زاد من قلق الناس, دخول عدد من الدبابات و الشاحنات الناقلة للجنود التي دخلت المدينة مع طلوع الصباح. خلال الليل, عمل صدام على نقل اللواء 43 من السليمانية إلى حلبجة, وقام بنشر الدبابات حول المدينة ومحاصرتها. مع طلوع النهار عاودت المروحيات إطلاق الصواريخ نحو الناس و دخلت المدينة عدة دبابات من ثلاث اتجاهات. عمل اللواء 43 على تضييق الحصار على المدينة. كان القصف المستمر يزيد من الخوف و الرعب في المدينة و بإستمرار كان يدخل إليها الجنود ليملآوا الشوارع. كان صوت الرشاشات و الرشقات النارية يزداد في كل لحظة. كان الجنود يقتلون كل من يعترض سبيلهم و يطلقون عليه النار. كذلك عمدت المروحيات على قصف منطقة كاني عاشقان بالصواريخ, و قاموا بإعمال القتل و نشر الدمار فيها.
عم الرعب كل المدينة. كان الناس يلجأون إلى الجبال, و كلما كان عدد الجنود العراقيين يزداد في المدينة كان عدد الفارين إلى الجبال يزداد أكثر. دخل اللواء 43 بكل ما أوتي من قوة و عمل على قمع الناس و إبادتهم بكل وحشية. فتاة في الرابعة عشر تقضي آخر لحظات من عمرها, وذلك بعد تعرضها للإصابة حيث لم يعد أمامها أمل بالبقاء. في حين كانت مضرجة بدمائها و قد جف حلقها إقتربت إمرأة عجوز منها و قدمت إليها كوباً من الماء, فرفضت الماء و تنهدت لتقول:"أريد أن أنال الشهادة و أنا صائمة" تجمعت النسوة من حولها يبكين. لقد وهبت هذه الكلمات من الفتاة روحاً جديدة للنسوة من حولها.
لم يتوقع الناس أن يقوم صدام بهذه الحملة العسكرية. في النهاية و من أجل تامين نجاتهم قام الناس بترك المنطقة. لقد فاجأهم القصف الجوي من المروحيات و إطلاق النيران الرشاشة التي إنهمرت من المروحيات و الدبابات, و قد أدت مقاومتهم في البداية إلى إستشهاد و جرح عدد منهم.
إشتد تضييق الحصار نحو المسجد الجامع و منطقة كاني عاشقان. لم يتمكن الجرحى من الفرار و قام الجنود العراقيين بإعتقالهم, و لكن لم يقوموا بمداواتهم بل على العكس قاموا بضربهم و شتمهم, و نقلوهم في الشاحنات الى ثكنة المدينة.
هناك في الثكنة إرتفع صوت الأنين ولم يكن من أحد ليساعدهم و يهتم بجراحاتهم. قام ضباط اللواء 43 بكل قسوة و جمعوهم في إحدى زوايا الثكنة. هناك إستشهد بعضهم, و بقي آخرون يعانون من جراحاتهم. بعد ذلك عادوا ونقلوهم بالشاحنات إلى مكان آخر. كانوا حوالي مئة و خمسين شخصاً نصفهم أحياء و نصفهم أموات. كما كان نقلهم على هذه الحالة قد زاد من خوف الأحياء بينهم. قام بعض الناس من أهل المدينة بمراقبة الشاحنات التي تنقلهم إلى خارج المدينة. هناك قاموا بحفر حفرة عظيمة حيث كان عدد من الجنود ينتظر وصول الشاحنات...
نظرة حول عمليات "والفجر 10" (فتح حلبجة)
مقدمة:
إن خوف الدول الكبرى من شعار الجمهورية الإسلامية لا شرقية- لا غربية, دفع بهذه الدول لتقوم بتجهيز صدام بالأسلحة المتقدمة, و ذلك لأن هذا الهدف المقدس يعتبر موجهاً ضد هذه الدول. فكانت الحرب المفروضة الحربة التي حارب بها أعداء الإسلام هذه الثورة الإسلامية المقدسة و التي مكنتهم من الإستمرار في تآمرهم على الإسلام. إلا أن القوة العسكرية للجمهورية الإسلامية أثبتت خلال الحرب قدرتها على المواجهة و الصمود, كم أثبتت لهم أنهم عاجزون عن الوقوف في وجه هذا المد الإلهي, و کان عليهم إختيار أساليب مختلفة للمواجهة. فكان الهجوم على المناطق المدنية, و استخدام الأسلحة الكيماوية, بالإضافة إلى الحصار الإقتصادي من قبل الدول الكبرى و دول المنطقة التي وقفت إلى جانب صدام في حربه ضد الجمهورية الإسلامية و التي لحسن الحظ لم تتمكن من إيجاد أدنى خلل في مسير هذه الجمهورية الأسلامية.
أثبتت عمليات كربلاء 5 للعالم أجمع أن إيران هي الرابح الأخير في هذه الحرب. بيد أن الصهاينة عملوا من خلال إعلامهم و دعاياتهم السامة على نشر الأفكار المدنسة في العالم و إخفاء هذه الحقيقة, و عملوا جاهدين على إنهاء المفاوضات لصالح صدام.
في نهاية العام 1366 ش (ربيع العام 1988م) و عندما كانت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي تصرح و تقول :"إن إحتمال هزيمة العراق في الحرب ضد إيران إحتمالاً واقعياً", كان مجاهدوا الإسلام يتقدمون بشكل ملموس في ميدان الحرب.
كان قلق القوى العظمى يتزامن مع التقدم الملموس للمجاهدين في جبهات القتال. و ما يدل على ذلك شراسة صدام و الدول الحليفة له في أواخر العام 1366 أي في الاشهر الثلاثة الأولى من العام 1988م. فكان خير دليل على ذلك الحملات الصاروخية على طهران و قصف المناطق الآهلة بالسكان, بالإضافة إلى إستعمال الأسلحة الكيماوية في المناطق الكردية, بالإضافة الى المناورات العسكرية الأمريكية في مياه الخليج و من جهة أخرى المساعدات غير المشروطة من قبل دول الخليج لصدام. ولكن ما عطل كل هذه المؤامرات القيام بالعمليات العسكرية كعملية والفجر 10 التي جرت بتاريخ (25/12/66ش) (16/3/1988م) و التي جرت في محافظة السليمانية العراقية.
كان لهذه العمليات الأثر الكبير حيث فاجأت الدول الكبرى و أجبرتهم على الإعتراف بالهزيمة السياسية و العسكرية. بدأت هذه العميلة عند الساعة 20:23 من ليلة عيد المبعث و كان رمز العمليات "يا رسول الله, يا رسول الله", و إمتدت على جبهة عرضها 85 كيلومتراَ و ثلاث محاور:محور مروان, محور باوه, و محور سد دربندي خان.
في المرحلة الأولى من هذه العمليات تقدم جيش الإسلام و بعد أن تجاوز المجاهدون الموانع الطبيعية الصعبة و الحواجز التي وضعها العدو و خوضهم المواجهات الصعبة, تمكنوا من كسر العدو في منطقة خرمال و نجحوا في تحرير مدينة خرمال و القرى المجاورة لها.
في المرحلة الثانية, تمكن المجاهدون و خلال مواجهات بطولية من تدمير قوات العدو في أطراف بركة دربندي خان الجنوبية و نجحوا في تحرير مدينة دوجيلة الإستراتيجية و القرى المجاورة لها.
بالتزامن مع هذا التقدم, بدأت المرحلة الثالثة من العمليات بالتقدم من جهة نهر آب سيروان, و ليله و زيمكان. بعد السيطرة على مرتفعات بالامبو و شندروي و تيمورثان المهمة دخل المجاهدون إلى مدينة حلبجة حيث كان الناس باستقبالهم. في هذه المرحلة تم أسر العديد من الجنود و الضباط العراقيين والذين كان من بينهم العميد الركن علي حسين عبيد العقاوي قائد اللواء 43 للمشاة.
بعد مرابطة المجاهدين في المناطق المحررة خلال المراحل الثلاثة الأولى, بدأت المرحلة الرابعة من العمليات, حيث قام المجاهدون بتحرير بلدة نوسود الكردية الحدودية من أيدي العراقيين و التي كانت حتى ذلك الوقت تعاني من الإحتلال للسنة السابعة على التوالي, كما تم تحرير مدينتي "طويلة" و بيارة" العراقيتين وهما من المدن العسكرية.
بالتزامن مع المواجهات التي كان المجاهدون يخوضونها مع العدو, شعر صدام بالخوف من الهزيمة العسكرية و وسعتها في المنطقة فقام بإرتكاب أفظع الجرائم و التي إعتبرت حسب التقارير الدولية مساوية لما إرتكب في هيروشيما أواخر الحرب العالمية الثانية. قامت الطائرات العراقية بقصف المدن المحررة لا سيما مدينة حلبجة و خرمال بالأسلحة الكيماوية مما أدى إلى إستشهاد أكثر من خمسة ألاف مواطن من النساء و الرجال و الأطفال, و قد تحول جو النصر إلى مأتم إلا أنه لم يمنع من تقدم المجاهدين في جبهات القتال.
المرحلة الخامسة من العمليات جرت في محور خرمال-سيد صادق, حيث تمكن المجاهدون من السيطرة على عدة مرتفعات من بينها رشين و قاموا بتحرير عدد من القرى إلى أن وصلوا إلى مدينة السيد صادق و قاموا بتثبيت مراكزهم على مقربة سبعة كيلومترات من المدينة. خلال هذه العمليات تم تدمير خمس عشرة كتيبة و أربعة سرايا و لواء كامل للجيش العراقي, كما تم أسر أكثر من أربعة عشر ألفاً من الجنود العراقيين و قتل أكثر من إحدى عشر ألف جندي. كان من بين الاسرى حوالي ثمانين ضابطاً عراقياً الذين كان من بينهم قائد اللواء و عدد من الضباط الكبار.
مع تحرير أكثر من ألف كيلومتر من الأراضي العراقية, تم قطع الطريق بين شمال و جنوب محافظة السليمانية وإستقرت القوات الإسلامية على مسافة عشرة كيلومترات من الطرق التي تربط السليمانية ببغداد العاصمة.
الجهود المستمرة التي بذلها المجاهدون في هذه العمليات و تضحياتهم قبل العمليات و خلالها و تحملهم للصعوبات و الصقيع و الثلوج التي كانت تغطي المنطقة تحتاج وحدها إلى كتاب مفصل للحديث عنها. إلا أننا نكتفي هنا بالإشارة إلى مظلومية أهالي مدينة حلبجة و التي تعرضت لأفظع إعتداء من قبل قوات صدام و التي يمكن أن نشير إليها بغض النظر عن العمليات العسكرية. عدد الضحايا الذين سقطو في هذه الكارثة تجاوز الخمسة آلاف كلهم كانوا ضحايا للقنايل الكيماوية التي سقطت على المدينة
نماذج من الذين قضوا من خلال قصور في الجهاز التنفسي كانت على الشكل التالي:
مريض1-4-ألف. شاب عمره عشرين سنة, ذكر, كانت علائم الإحتراق تبدوا عليه, و كان جهازه التنفسي قد تعرض للإصابة بأضرار حيث تم إدخاله إلى المستشفى. كان المريض يعاني من إفراز للمادة المخاطية من صدره بشكل كبير, و تراخي في التنفس بالإضافة إلى عدم القدرة على إشباع الدم بالأوكسيجن.
وضع للمريض أنبوب من أجل سحب المخاط من القصبة الهوائية إلا أنه توفي نتيجة قصور في التنفس و الذي نتج عن إنسداد في الشعب الهوائية.
المريض 2-س-ع. فتاة في الثانية عشر من عمرها. كانت مبتلاة بحالات ضيق التنفس و الإختناق و التي كانت تنتج عن برونكو سباسم جنرايزه. كانت هذه الحالة تتحسن مع العلاج. إلا أن تحسنها كان نسبياً. كانت آخر مرة تعرضت لها هذه المريضة لحالة ضيق النفس بعد مضي 23 يوماً على دخولها المستشفى, حيث عانت من قصور في التنفس, و على الرغم من الإستعانة بالأدوية المناسبة و التنفس عبر الأوكسيجن إلا أن ذلك لم ينفع. كما يحتمل أن المريض كان عنده بنوموتوراكس.
المريض 3-2-2. شاب في الثانية و العشرين من عمره, كانت حالته غير مستقرة أبداَ, كان البلغم يخرج من صدره بشكل كبير, و كان بحاجة إلى معاينة مستمرة, و قد تم إدخاله إلى المستشفى. توفي المريض بسبب عدم قدرته على تنظيف المجاري الهوائية بالشكل المناسب.
يبدوا أن نوع الغاز الذي إستخدم كان عبارة عن خليط بين عناصر الخردل و التابون و ذلك ما كان يؤدي إلى إصابة المصابين بالإغماء, بعد مضي فترة من يومين الى ثلاثة, و في النهاية كانوا يموتون. كاتب المقال: الدكتور مهدي كشميري. محلل البحث: القسم الداخلي (قسم الرئة – مستشفى الإمام الرضا (ع) ) كلية العلوم الطبية_ مشهد.
مأساة رمضان:
بدأت حركة أهالي حلبجة على شكل مظاهرات واسعة قاموا بها على الرغم من عدم موافقة النظام البعثي ومنعهم من القيام بها. في ذالك اليوم قامت ثلاث مساجد هي مسجد باشا و مسجد جمهوري و المسجد الجامع بالإعلام عبر مكبرات الصوت عن كل ما كان يقوله رجال الدين هناك, و لم تهدأ لحظة واحدة. قام طلاب أحد المدارس الدينية الواقعة في القسم الحنوبي من منطقة كاني عاشقان, بالنزول إلى الشارع و بعد أن إلتحق بهم جمع من الناس, توجه الجمع نحو منطقة سرا. قام عدد من المسؤولين في محافظة السليمانية الذين تنبهوا الى المظاهرات و عملوا على الحد و منع الناس من التظاهر. كانت المقاومة تشتد يوماً بعد يوم على رغم تزايد الضغوط التي كانت تعيشها الناس من جراء ظلم و تمادي النظام البعثي, خلال إستيلائهم على المنطقة. عمل النظام البعثي جاهداً من أجل منع أهالي حلبجة من القيام و النهوض بوجهه, و من بين الأساليب التي إستعملها كان التفرقة بين الناس, كما قام بإخلاء بعض القرى الكردية و نقل سكانها الى المناطق العربية و إسكان العرب مكان الأكراد في قراهم. أدى إصرار صدام على تنفيذ هذا المشروع إلى أن يتنبه بعض المسؤولين في محافظة كردستان العراقية حيث قاموا بإخبار الناس بهذا المخطط الخبيث و أعلموا أهالي الموصل و اربيل و الحاج عمران و حلبجة و السليمانية به, كما عملوا على منع تنفيذ هذا المخطط. بعدها ثار الناس في حلبجة و كان من أبرز من قام في هذه المدينة, رجال الدين المجاهدين في المنطقة. لذلك قام النظام البعثي و شدد الضغط على رجال الدين مما أجبرهم على تبديل مجاهدتهم العلنية إلى سرية و ذلك تجنباً منهم لهذه الضغوط, وعدم قبولهم للظلم و الجور الذي قد يتعرضوا له من قبل هذا النظام.
في ذلك اليوم كان الناس يزدادون في كل لحظة و كان صوت المتظاهرين يعم الأجواء في المدينة. كما كان لحضور عدد من رجال الدين في الصف الأول بين المتظاهرين أثراً كبيراً في تقويتهم و بث الإطمئنان في القلوب مما شجع الناس أكثر على الإلتحاق بركب المتظاهرين.قام أهالي منطقة كاني عاشقان بالإلتحاق بالجمع دفعة واحدة, و إندفع رجالهم و نساءهم متجهين الى منطقة سرا, رافعين قبضاتهم و هم يرددون الشعرات بأعلى أصواتهم.
كانت هذه المنطقة مركزاً للإدارات الحكومية وعندما تجمع الناس توقفت الإدارات عن العمل. كان الناس يراقبون بحذر البناية التي تتمركز فيها عناصر المخابرات, حيث كان يقف على بابها عدد من الحراس المسلحين.
عندما رأى رئيس المخابرات هجوم الناس إرتعب و خاف و أصدر أمراً بإطلاق النار, فإمتزج أزيز الرصاص بهتافات الموت لصدام و لم تمض لحظات حتى سقط الجميع على الأرض. عندما رأت النسوة الشهداء يغرقون بدمائهم إرتفع نحيبهن. في البداية إستشهد أربعة ممن كانوا في مقدمة المظاهرة. بعد ذلك إزداد غضب الناس و تابعوا يرددون شعار "الموت لصدام" بأعلى أصواتهم فترتجف لها أرجاء المدينة. و رفع المتظاهرون الشهداء على الأكف ثم تابعوا المظاهرة.
كان أمام مركز الشرطة البلدية عدد من العسكريين من أهل المدينة يقال لهم "جاش", عندما رأوا الشهداء مضرجين بدمائهم و قد رفعهم المتظاهرون على أكفهم و هو يرددون الله أكبر, عندها إنضموا إلى المتظاهرين الذين إستقبلوهم بالورود و الصلوات على النبي و آله (ص), و تابعت المسيرة طريقها. أما الجنود الذين كانوا أمام مركز المخابرات, فقد فروا ليختبؤوا داخل المبنى و ذلك بعد أن رأوا أنهم عاجزين عن السيطرة على الوضع.
قام أهل المدينة ضد صدام كالرجل الواحد, و كانوا يصيحون بأعلى أصواتهم ضد حزب البعث. كانوا يحاولون أن يسحقوا بأقدامهم سنين الظلم التي عانوها خلال حكم صدام في المنطقة. في ذلك اليوم أراد أهالي حلبجة أن ينهوا حسابهم مع صدام. لقد وصل حقدهم ضد النظام البعثي إلى حد لا يحتمل, و ها هم الآن مستعدين لإنقاذ أنفسهم من هذا الظلم.
منذ أن بدأ مركز رمضان القيام بالعمليات العسكرية تحت عنوان عمليات فتح و ظفر زال خوف الناس من الجيش العراقي و لم يعد يرهبهم هذا الجيش, فقد أجبرت العمليات التي يقوم بها المجاهدين من عرب و أكراد و إنتشارهم في المناطق المختلفة من العراق, أجبرت صدام على القيام بإنتهاج سياسة أخرى من أجل قمع الشعب العراقي.
من أجل قمع الناس عمد حزب البعث الى بث الفتنة و الإختلاف بين العرب و الأكراد في المنطقة. كان صدام و من خلال الطابع العربي لحزب البعث, يشجع العرب على مقاتلة الأكراد في المناطق الكردية. حتى أن علي حسن مجيد إبن عم صدام, و الذي كان قد عينه مسؤول شؤون شمال العراق قال في خطاب ألقاه في اربيل: "إما أن يلبسنا الأكراد لباساً كردياً و إما أن نلبسهم اللباس العربي".
تدمير المناطق التي يسكنها الأكراد و نقل مجموعات من الناس الى المخيمات المتفرقة في الصحراء قرب الحدود العراقية الأردنية و السعودية, بالإضافة إلى خلق جو من الرعب أدى إلى تهجير الأكراد القاطنين في المناطق الحدودية. كان صدام يعمل على تخريب القرى في محافظة كردستان العراقية, و يجبر الناس على الإنتقال إلى الجنوب أو كان يعمل على نقلهم إلى المدن الكبرى كالسليمانية و كركوك و الموصل و حلبجة حيث كان يهدف من ذلك أن يحصر وجودهم في المدن الكبرى التي ذكرناها و السيطرة على الأكراد في المنطقة. من هنا إزداد عدد السكان في مدينة حلبجة حيث أقبل العديد من أهالي القرى المجاورة ليسكنوا في هذه المدينة مجبرين. إلا أن قيام البعثيين بهذا العمل ومحاولتهم التحكم بالناس لم تؤدي إلى إبعادهم عن الجهاد, بل على العكس ساهمت على إيجاد تشكلات جديدة و أعلنوا مخالفتهم بشكل علني لنظام صدام, و كانت مظاهراتهم هذه من أجل التعبير عن مخالفتهم لهذا النظام.
عم صمت غريب كل المدينة. بعد أن شيع الناس شهداءهم عادوا ليتجمعوا مجدداً في ساحات المدينة. إلتفت الجميع إلى طائرة مروحية قامت بالتحليق في أجواء المدينة. بعد جولتها إختفت لتعود بعد نصف ساعة ومعها عدد آخر من المروحيات.
مع إطلاق النار نحو ساحة كاني عاشقان, إنبطح عدد من الناس على الأرض. إختبأ الناس خلف الأبنية, و كان صوت النيران الرشاشة نذير الموت إليهم. قامت إحدى المروحيات بإطلاق صاروخ نحو إحدى الأبنية السكنية و سمع دوي إنفجار رهيب أتبعه حريق إلتهم عدد من البيوت حوله. كان القصف مركزاً على منطقة كاني عاشقان, و قد إختبأ الناس خلف جدران الأبنية ليحموا أنفسهم من القصف. إستمرت المواجهة في المنطقة حتى المساء, كما أن وجود المسجد الجامع و مسجد جمهوري في شمال المنطقة و مدرسة العلوم الدينية في جنوبها زاد من إنزعاج العراقيين من هذه المنطقة.
عند حلول الليل, عم القلق و السكون كل المدينة. و مما زاد من قلق الناس, دخول عدد من الدبابات و الشاحنات الناقلة للجنود التي دخلت المدينة مع طلوع الصباح. خلال الليل, عمل صدام على نقل اللواء 43 من السليمانية إلى حلبجة, وقام بنشر الدبابات حول المدينة ومحاصرتها. مع طلوع النهار عاودت المروحيات إطلاق الصواريخ نحو الناس و دخلت المدينة عدة دبابات من ثلاث اتجاهات. عمل اللواء 43 على تضييق الحصار على المدينة. كان القصف المستمر يزيد من الخوف و الرعب في المدينة و بإستمرار كان يدخل إليها الجنود ليملآوا الشوارع. كان صوت الرشاشات و الرشقات النارية يزداد في كل لحظة. كان الجنود يقتلون كل من يعترض سبيلهم و يطلقون عليه النار. كذلك عمدت المروحيات على قصف منطقة كاني عاشقان بالصواريخ, و قاموا بإعمال القتل و نشر الدمار فيها.
عم الرعب كل المدينة. كان الناس يلجأون إلى الجبال, و كلما كان عدد الجنود العراقيين يزداد في المدينة كان عدد الفارين إلى الجبال يزداد أكثر. دخل اللواء 43 بكل ما أوتي من قوة و عمل على قمع الناس و إبادتهم بكل وحشية. فتاة في الرابعة عشر تقضي آخر لحظات من عمرها, وذلك بعد تعرضها للإصابة حيث لم يعد أمامها أمل بالبقاء. في حين كانت مضرجة بدمائها و قد جف حلقها إقتربت إمرأة عجوز منها و قدمت إليها كوباً من الماء, فرفضت الماء و تنهدت لتقول:"أريد أن أنال الشهادة و أنا صائمة" تجمعت النسوة من حولها يبكين. لقد وهبت هذه الكلمات من الفتاة روحاً جديدة للنسوة من حولها.
لم يتوقع الناس أن يقوم صدام بهذه الحملة العسكرية. في النهاية و من أجل تامين نجاتهم قام الناس بترك المنطقة. لقد فاجأهم القصف الجوي من المروحيات و إطلاق النيران الرشاشة التي إنهمرت من المروحيات و الدبابات, و قد أدت مقاومتهم في البداية إلى إستشهاد و جرح عدد منهم.
إشتد تضييق الحصار نحو المسجد الجامع و منطقة كاني عاشقان. لم يتمكن الجرحى من الفرار و قام الجنود العراقيين بإعتقالهم, و لكن لم يقوموا بمداواتهم بل على العكس قاموا بضربهم و شتمهم, و نقلوهم في الشاحنات الى ثكنة المدينة.
هناك في الثكنة إرتفع صوت الأنين ولم يكن من أحد ليساعدهم و يهتم بجراحاتهم. قام ضباط اللواء 43 بكل قسوة و جمعوهم في إحدى زوايا الثكنة. هناك إستشهد بعضهم, و بقي آخرون يعانون من جراحاتهم. بعد ذلك عادوا ونقلوهم بالشاحنات إلى مكان آخر. كانوا حوالي مئة و خمسين شخصاً نصفهم أحياء و نصفهم أموات. كما كان نقلهم على هذه الحالة قد زاد من خوف الأحياء بينهم. قام بعض الناس من أهل المدينة بمراقبة الشاحنات التي تنقلهم إلى خارج المدينة. هناك قاموا بحفر حفرة عظيمة حيث كان عدد من الجنود ينتظر وصول الشاحنات...
نظرة حول عمليات "والفجر 10" (فتح حلبجة)
مقدمة:
إن خوف الدول الكبرى من شعار الجمهورية الإسلامية لا شرقية- لا غربية, دفع بهذه الدول لتقوم بتجهيز صدام بالأسلحة المتقدمة, و ذلك لأن هذا الهدف المقدس يعتبر موجهاً ضد هذه الدول. فكانت الحرب المفروضة الحربة التي حارب بها أعداء الإسلام هذه الثورة الإسلامية المقدسة و التي مكنتهم من الإستمرار في تآمرهم على الإسلام. إلا أن القوة العسكرية للجمهورية الإسلامية أثبتت خلال الحرب قدرتها على المواجهة و الصمود, كم أثبتت لهم أنهم عاجزون عن الوقوف في وجه هذا المد الإلهي, و کان عليهم إختيار أساليب مختلفة للمواجهة. فكان الهجوم على المناطق المدنية, و استخدام الأسلحة الكيماوية, بالإضافة إلى الحصار الإقتصادي من قبل الدول الكبرى و دول المنطقة التي وقفت إلى جانب صدام في حربه ضد الجمهورية الإسلامية و التي لحسن الحظ لم تتمكن من إيجاد أدنى خلل في مسير هذه الجمهورية الأسلامية.
أثبتت عمليات كربلاء 5 للعالم أجمع أن إيران هي الرابح الأخير في هذه الحرب. بيد أن الصهاينة عملوا من خلال إعلامهم و دعاياتهم السامة على نشر الأفكار المدنسة في العالم و إخفاء هذه الحقيقة, و عملوا جاهدين على إنهاء المفاوضات لصالح صدام.
في نهاية العام 1366 ش (ربيع العام 1988م) و عندما كانت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي تصرح و تقول :"إن إحتمال هزيمة العراق في الحرب ضد إيران إحتمالاً واقعياً", كان مجاهدوا الإسلام يتقدمون بشكل ملموس في ميدان الحرب.
كان قلق القوى العظمى يتزامن مع التقدم الملموس للمجاهدين في جبهات القتال. و ما يدل على ذلك شراسة صدام و الدول الحليفة له في أواخر العام 1366 أي في الاشهر الثلاثة الأولى من العام 1988م. فكان خير دليل على ذلك الحملات الصاروخية على طهران و قصف المناطق الآهلة بالسكان, بالإضافة إلى إستعمال الأسلحة الكيماوية في المناطق الكردية, بالإضافة الى المناورات العسكرية الأمريكية في مياه الخليج و من جهة أخرى المساعدات غير المشروطة من قبل دول الخليج لصدام. ولكن ما عطل كل هذه المؤامرات القيام بالعمليات العسكرية كعملية والفجر 10 التي جرت بتاريخ (25/12/66ش) (16/3/1988م) و التي جرت في محافظة السليمانية العراقية.
كان لهذه العمليات الأثر الكبير حيث فاجأت الدول الكبرى و أجبرتهم على الإعتراف بالهزيمة السياسية و العسكرية. بدأت هذه العميلة عند الساعة 20:23 من ليلة عيد المبعث و كان رمز العمليات "يا رسول الله, يا رسول الله", و إمتدت على جبهة عرضها 85 كيلومتراَ و ثلاث محاور:محور مروان, محور باوه, و محور سد دربندي خان.
في المرحلة الأولى من هذه العمليات تقدم جيش الإسلام و بعد أن تجاوز المجاهدون الموانع الطبيعية الصعبة و الحواجز التي وضعها العدو و خوضهم المواجهات الصعبة, تمكنوا من كسر العدو في منطقة خرمال و نجحوا في تحرير مدينة خرمال و القرى المجاورة لها.
في المرحلة الثانية, تمكن المجاهدون و خلال مواجهات بطولية من تدمير قوات العدو في أطراف بركة دربندي خان الجنوبية و نجحوا في تحرير مدينة دوجيلة الإستراتيجية و القرى المجاورة لها.
بالتزامن مع هذا التقدم, بدأت المرحلة الثالثة من العمليات بالتقدم من جهة نهر آب سيروان, و ليله و زيمكان. بعد السيطرة على مرتفعات بالامبو و شندروي و تيمورثان المهمة دخل المجاهدون إلى مدينة حلبجة حيث كان الناس باستقبالهم. في هذه المرحلة تم أسر العديد من الجنود و الضباط العراقيين والذين كان من بينهم العميد الركن علي حسين عبيد العقاوي قائد اللواء 43 للمشاة.
بعد مرابطة المجاهدين في المناطق المحررة خلال المراحل الثلاثة الأولى, بدأت المرحلة الرابعة من العمليات, حيث قام المجاهدون بتحرير بلدة نوسود الكردية الحدودية من أيدي العراقيين و التي كانت حتى ذلك الوقت تعاني من الإحتلال للسنة السابعة على التوالي, كما تم تحرير مدينتي "طويلة" و بيارة" العراقيتين وهما من المدن العسكرية.
بالتزامن مع المواجهات التي كان المجاهدون يخوضونها مع العدو, شعر صدام بالخوف من الهزيمة العسكرية و وسعتها في المنطقة فقام بإرتكاب أفظع الجرائم و التي إعتبرت حسب التقارير الدولية مساوية لما إرتكب في هيروشيما أواخر الحرب العالمية الثانية. قامت الطائرات العراقية بقصف المدن المحررة لا سيما مدينة حلبجة و خرمال بالأسلحة الكيماوية مما أدى إلى إستشهاد أكثر من خمسة ألاف مواطن من النساء و الرجال و الأطفال, و قد تحول جو النصر إلى مأتم إلا أنه لم يمنع من تقدم المجاهدين في جبهات القتال.
المرحلة الخامسة من العمليات جرت في محور خرمال-سيد صادق, حيث تمكن المجاهدون من السيطرة على عدة مرتفعات من بينها رشين و قاموا بتحرير عدد من القرى إلى أن وصلوا إلى مدينة السيد صادق و قاموا بتثبيت مراكزهم على مقربة سبعة كيلومترات من المدينة. خلال هذه العمليات تم تدمير خمس عشرة كتيبة و أربعة سرايا و لواء كامل للجيش العراقي, كما تم أسر أكثر من أربعة عشر ألفاً من الجنود العراقيين و قتل أكثر من إحدى عشر ألف جندي. كان من بين الاسرى حوالي ثمانين ضابطاً عراقياً الذين كان من بينهم قائد اللواء و عدد من الضباط الكبار.
مع تحرير أكثر من ألف كيلومتر من الأراضي العراقية, تم قطع الطريق بين شمال و جنوب محافظة السليمانية وإستقرت القوات الإسلامية على مسافة عشرة كيلومترات من الطرق التي تربط السليمانية ببغداد العاصمة.
الجهود المستمرة التي بذلها المجاهدون في هذه العمليات و تضحياتهم قبل العمليات و خلالها و تحملهم للصعوبات و الصقيع و الثلوج التي كانت تغطي المنطقة تحتاج وحدها إلى كتاب مفصل للحديث عنها. إلا أننا نكتفي هنا بالإشارة إلى مظلومية أهالي مدينة حلبجة و التي تعرضت لأفظع إعتداء من قبل قوات صدام و التي يمكن أن نشير إليها بغض النظر عن العمليات العسكرية. عدد الضحايا الذين سقطو في هذه الكارثة تجاوز الخمسة آلاف كلهم كانوا ضحايا للقنايل الكيماوية التي سقطت على المدينة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق